البريد الإلكتروني: drsregeb11@gmail.com

سؤال وجواب

سؤال ما هو حكم الإسلام في التعاون الأمني مع العدو الصهيوني المحتل



          

الجواب: الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، والتابعين، ومن تبع هداهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد..

أولاً: التعريف بالتعاون الأمني: لقد تعهدَّ الجانب الفلسطيني بتوفير الأمن للعدو الصهيوني المحتل من خلال تنفيذ خارطة الطريق التي هي في الأصل مشروع أمريكي صهيوني، فمن صاغها هما: مدير مكتب كونداليزا رايس -عندما كانت مستشارة الأمن القومي الأمريكي- ودوف فايسغلاس مدير مكتب رئيس وزراء العدو الصهيوني وقتها شارون، جاء في خارطة الطريق: "يلتزم الفلسطينيون على الفور بوقف العنف بشكل غير مشروط وفقًا للخطوات المفصلة فيما يلي؛ ويجب أن ترافق مثل هذه العملية خطوات داعمة من جانب إسرائيل، ويستأنف الفلسطينيون والإسرائيليون تعاونهم الأمني بناء على خطة تِينِت لوقف العنف والإرهاب والتحريض بواسطة أجهزة أمنية فلسطينية فعّالة أعيدت هيكلتها". وهذا ما قامت وتقوم به الأجهزة الأمنية التابعة لعباس في الضفة الغربية أولاً تحت قيادة وإشراف الجنرال الأمريكي "كينث دايتون" وبمعاونة ضباط كبار من بريطانيا وإيطاليا، ثمَّ تحت إشراف ومتابعة خليفته الجنرال الأمريكي "مايكل مولر" المنسق الأمني الأمريكي الجديد في الضفة الغربي، فقام المتعاونون أمنيا مع العدو الصهيوني بسحب أسلحة المجاهدين الفلسطينيين ومصادرتها، ومطاردتهم وبالتالي سجنهم وتعذيبهم وأحيانا قتلهم، وتقديم معلومات أمنية للعدو الصهيوني عنهم.

          وقد طالعتنا الأخبار يوم الاثنين 8/6/2009م أن دايتون أعد خطة جديدة لمواجهة قوى المقاومة في الضفة  الغربية تنفذها أجهزة أمن رئيس السلطة الأمنية. وجاء في خارطة الطريق: "تُصدر القيادة الفلسطينية بيانًا جليًا لا لبس فيه يؤكد حق إسرائيل في الوجود بسلام وأمان، ويدعو إلى وقف إطلاق نار فوري وبدون شروط، وإلى وقف العمليات المسلحة وجميع أعمال العنف ضد إسرائيليين في كل مكان، وتتوقف جميع المؤسسات الفلسطينية الرسمية عن التحريض ضد إسرائيل". وهذا ما يصرح به رئيس السلطة عباس وينادي به في كل مكان.

انتفاع العدو الصهيوني من التعاون الأمني: إنَّ التعاون الأمني القائم بين دولة العدو الصهيوني وأجهزة أمن رئيس السلطة الأمنية فيه مولاة ومناصرة ومظاهرة واضحة للعدو الصهيوني المحتل، ومن ذلكم مساعدته بالدلالة على المقاومين والمجاهدين الفلسطينيين ولو بأمر بسيط جدا كان أو كبير، كأن يخبرهم أين يوجدون، أو أين يختبئون، أو الاشتراك معهم أحياناُ في مطاردة واغتيال المناضلين والمجاهدين، وما كان العدو الصهيوني لينجح في قتل واغتيال واعتقال المئات من المناضلين لولا هذا التعاون الأمني، ومساعدة الأجهزة الأمنية المعدة لهذا الأمر، فالتعاون الأمني إذاً هو خيانة وعمالة للعدو، فمعلوم أنَّ العميل هو من يمد العدو بالمعلومات عن المجاهدين وأماكن أسلحتهم، أي يظاهر العدو المحتل على المسلمين ويتصل بأعدائهم ويعطيهم أخبار المجاهدين، أو يتعقبهم ويكشف أسرارهم العسكرية لينتفع بها العدو في البطش بالمجاهدين، وإلحاق الأذى والضرر بهم أو ببلادهم. فما بال من يسلم العدو - باسم التعاون الأمني- ملفات كاملة عن المجاهدين وتحركاتهم وأسلحتهم، وأماكن وجودهم ليطاردهم ويغتالهم أو يعتقلهم. وأحيانا تتعدى إلى تسليم أسلحة المجاهدين للعدو، وتسليم المجاهدين أنفسهم كتسليم خلية صوريف.

      إنَّ التعاون الأمني مع العدو المحتل أدى بالمتعاونين أمنيا مع العدو المجرم إلى جمع المعلومات عن مقار الوزارات والمؤسسات الحكومية والأهلية في قطاع غزة، أو بيوت القادة والمجاهدين وأماكن وجودهم، كما حصل من نفر من حمقى  فتح في قطاع غزة،  حيث تمَّ إلقاء القبض على عدد من الذين جمعوا مثل هذه المعلومات، وقدموها لمسئوليهم في رام الله، والذين قاموا بدورهم بتسليمها للعدو الصهيوني كي يقوم بقصفها وتدميرها كما في بعض الحروب العدوانية على قطاع غزة، وقد ترتَّب عليه قتل النفس المسلمة التي حرم الله قتلها، وتمير عدد كثير من بيتهم.

     إنَّ التعاون الأمني مع العدو الصهيوني المحتل وفَّر له جواً أمناً ووفَّر أماناً لجنوده وهم يقتحمون الضفة الغربية لاعتقال المقاومين أو محاصرة منازلهم أو مخابئهم، ووفر أمنا لمغتصبيه ليفسدوا في أرض فلسطين المباركة وخاصة في مدن الضفة الغربية كالخليل، ونابلس عندما يقتحمونها بحجة زيارة قبر نبي الله يوسف، كما قامت أجهزة الأمن في رام الله تحت مظلة التعاون الأمني بالتصدي للمظاهرات والاحتجاجات الشعبية ضد العدو الصهيوني بذرائع واهية وحجج باطلة، يقول يعقوب بيري رئيس الشاباك السابق: "نحن نقوم بكل الجهود الاستخباراتية والعملياتية لمنع اندلاع انتفاضة ثالثة على خلفية أحداث إعادة السيطرة على جبل الهيكل، ونحن على تنسيق بمستوى عال مع الأجهزة الأمنية الفلسطينية التي تقوم بواجبها على أكمل وجه، في مواجهة الإرهاب وجمع السلاح، والحملة الأخيرة التي تجري الآن في يهودا والسامرة سيكون لها دور كبير في تهدئة الأمور". ومن متطلبات التعاون الأمني مع العدو الصهيوني عقد لقاءات بين كبار ضباط الأمن الفلسطيني مع نظرائهم الصهاينة، وتبادل المعلومات الأمنية، وتسليم الجانب الاسرائيلي الأسلحة والوسائل القتالية التي يتم ضبطها في مناطق السلطة الفلسطينية، ونقل محاضر التحقيق الخاصة بالأشخاص الذين تعتقلهم الأجهزة الأمنية لجهاز "الشاباك" الاسرائيلي.

جناية التعاون الأمني على المقاومة والمقاومين:  ومن ذلك أقدمت أجهزة أمن على اغتيال المجاهدين محمد السمان ومحمد ياسين والمجاهد عبد الناصر الباشا بعد أن شددت عليهم الخناق في منزل في قلقيلية، تلا ذلك محاصرة المجاهدين محمد حسام عطية وإياد الأبتلي وعلاء دياب المطاردين من قِبل قوات الاحتلال الصهيوني منذ ست سنوات واغتيالهم وتصفيتهم بإطلاق النار عليهم يوم 3/6/2009م، في نفس المدينة، كما قامت باختطاف ثلاثة من عناصر الجهاد الإسلامي في مدينة جنين شمال الضفة في نفس التوقيت. ويكفي أن يعلم أنَّه في شهر آذار/مارس 2016م وحده اعتقلت أجهزة أمن رام الله سبعين شخصاً، من بينهم أربعة وأربعين أسيراً محرراً، وقدَّمت الأجهزة الأمنية المساعدة للعدو المحتل في أكثر من مرة في العثور على مطلوبين له من المقاومين الفلسطينيين، كما قدموا المساعدة في العثور على الخلية الفدائية التي نفذت عملية خطف وقتل المستوطنين الثلاث عام 2014م.

      ويبيِّن الكاتب الصحفي اليهودي اليور ليفي جانبا من التعاون الأمني مع أجهزة أمن رام الله فيقول: "إن قوات الأمن الفلسطينية في ذروتها المهنية؛ وجزء كبير من أدائها يعتمد على التنسيق الأمني؛ والذي يتضمن عقد اجتماعات دورية بين المسؤولين ونظرائهم في "إسرائيل"، وتبادل المعلومات الاستخباراتية، وتسليم الأسلحة المضبوطة في المنطقة (أ)، وإدخال التدابير للشرطة الفلسطينية لتفريق المتظاهرين، ونقل مواد المعتقلين للتحقيق والاستجواب لجهاز الشاباك "الإسرائيلي". ويؤكد الكاتب؛ ساعدت قوات الأمن الفلسطينية "إسرائيل" في كثير من الأحيان، كما حدث في اختطاف "المستوطنين الثلاثة"، ويشمل التنسيق أيضا المسائل الجنائية، ويتم نقل المعلومات بين قوات الشرطة، ويوجد مكتب للارتباط الفلسطيني والإسرائيلي حيث يجتمعون ويقومون بتبادل المعلومات مثل بصمات الأصابع، والمعلومات الجنائية، وأكثر من ذلك. ويوضح ليفي؛ التنسيق يتم في المجالات المدنية وعلى سبيل المثال؛ تنفيذ عمليات مشتركة بين قوات الدفاع الفلسطيني والإسرائيلي، في المناطق المتآخمة للمناطق الإسرائيلية والفلسطينية وتقع تحت السيطرة الإسرائيلية، كما حدث بحريق جبل الكرمل في عام 2010 حيث أرسلت السلطة فرق إطفاء وإنقاذ لمساعدة الدفاع المدني الإسرائيلي.(دراسة للكاتب الصحفي اليهودي "اليور ليفي" نشرتها صحيفة يديعوت أحرنوت في 23 -4-2016م، وقام قسم الترجمة والرصد في "المركز الفلسطيني للإعلام" بمتابعة تفاصيلها. جاء فيها).

     وقد يعجب المرء باستمرار التعاون الأمني مع العدو الصهيوني المستمر في اعتداءاته بأشكالها المختلفة من استيطان واستيلاء على الأراضي، وهدم للمنازل في القدس وغيرها، والقيام بحفريات تدمر الآثار العربية والإسلامية في القدس بهدف تغيير وطمس هويتها العربية والإسلامية وتزوير تاريخها، وفي ظل استمرار العدو في اعتداءات شبه اليومية على المسجد الأقصى في محاولات منها لإزالته، وبناء هيكل اليهود المزعوم.

حكم مظاهرة ومعاونة العدو المحتل أمنياً:

1- التعاون الأمني مع العدو هو عين التجسس وذاته، وهو نوع من السعي بالفساد في الأرض: قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا) الحجرات: 12. قال الطبري: وَقَوْله: (وَلَا تَجَسَّسُوا)، يَقُول: ولَا يَتَتَبَّع بَعْضكُمْ عَوْرَة بَعْض, وَلَا يَبْحَث عَنْ سَرَائِره, لَا عَلَى مَا لَا تَعْلَمُونَهُ مِنْ سَرَائِره. قال ابن كثير في تفسير الآية: (وَلَا تَجَسَّسُوا) أَيْ عَلَى بَعْضكُمْ بَعْضًا، وَالتَّجَسُّس غَالِبًا يُطْلَق فِي الشَّرّ، وَمِنْهُ الْجَاسُوس. وعَنْ أَبِي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِيَّاكُمْ وَالظَّنّ فَإِنَّ الظَّنّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا تَحَسَّسُوا وَلَا تَنَافَسُوا وَلَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَدَابَرُوا وَكُونُوا عِبَاد اللَّه إِخْوَانًا". رَوَاهُ الْبُخَارِيّ (6064)، وَمُسْلِم (2563).

       والتجسس هو نوع من السعي بالفساد، وعمل يعرِّض مصالح المسلمين وبلادهم للضرر، وقد نزلت الآية الكريمة في عقاب من يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادًا وهى قوله تعالى في سورة المائدة: (إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) المائدة:33. ومن يتجسس على المسلمين ويتصل بأعدائهم ويعطيهم معلومات بأسرار عسكرية سرية لينتفعوا بها في البطش بالمجاهدين وقدراتهم العسكرية، وإلحاق الأذى والضرر بالبلد، وهذا جدير بأن يعامل معاملة من يحارب الله ورسوله ويسعى في الأرض فسادًا، فالمقاومة لها رجالها ونظمها ومقدراتها العسكرية. والمصلحة العامة تستلزم أن تحتفظ لنفسها بأسرار تخفيها عن أعدائها، ولا يعلمها إلا أهلها المتصلون بحكم عملهم بها. فإذا أجهزة أمن عباس مكلفة بأن تستطلع أمر هذه الأسرار بطرقها المختلفة، وتنقلها إلى العدو المحتل كما تفرض عليها خارطة الطريق وقد نفذت ذلك بإخلاص كان فعلها هو عين التجسس، وكانت ممن يسعى في الأرض بالفساد، فشأن إطلاع العدو على هذه الأسرار كما هو معلوم يسهل عليه محاربة المجاهدين وتوهين قواهم.

2- مظاهرة ومعاونة العدو المحتل كفر وردة عن الدين: إن من يظاهر الكافرين ويعاونهم على المؤمنين لأجل طمع في الدنيا يرجى، أو رياسة وغيرها، كفر وردة عن الدين، وقد أجمع أهل العلم على أن من ظاهر الكفار من أهل الكتاب وغيرهم من الملل الكفرية على المسلمين وساعدهم بأي نوع من المساعدة فهو كافر مثلهم، وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ  لا يهدي القوم الظالمين).