من صور الولاء المذموم موالاة علماء السوء للحكام الظلمة
إن علماء السوء هم الذين لديهم قدر من العلم الشرعي لكنهم يوظفوه خدمة لمصالح الزعماء والسلاطين، دون مراعاة لأخلاقيات ذلك العلم أو النصوص الشرعية, فيقومون بلوي أعناق النصوص لتناسب مصالح الحكام وأهوائهم, فعلماء السلطان هم الذين يلبسون على الأمة دينهم من أجل الحصول على دراهم السلاطين أو الجاه والمنصب على حساب الإسلام، وحقوق الشعوب. وقال الغزالي في إحياء علوم الدين: "إن علماء السوء شرهم على الدين أعظم من شر الشياطين، إذ الشيطان بواسطتهم يتدرج إلى انتزاع الدين من قلوب الخلق".
ولا شك أن علماء السوء من أسوأ خلق الله وأشره؛ فقد قال الله عنهم:(إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) البقرة:159. وقال الله تعالى في أمثالهم:(وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ، وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَـكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)الأعراف176، وقال:(أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ) الجاثية:23.
يقول الإمام ابن القيم: "علماء السوء جلسوا على باب الجنة يدعون الناس إليها بأقوالهم، ويدعونهم إلى النار بأفعالهم، فكلما قالت أقوالهم للناس: هلموا؛ قالت أفعالهم: لا تسمعوا منهم، فلو كان ما دعوا إليه حقا كانوا أول المستجيبين له، فهم في الصورة أدلاء، وفي الحقيقة قطاع طرق". وكم من عالم دين رأيناه يعلم حقيقة دين الله تعالى ثم يزيغ عنها، ويعلن غيرها من أباطيل والأضاليل، فيستخدم علمه في التحريفات المقصودة والفتاوى الزائفة المطلوبة على مقاس خاص للحكام والزعماء الظلمة، يحاول أن يثبت بها سلطان المعتدين على سلطان الله وحرماته. وما رأينا عالم سؤء يفتي للحكام الظلمة حسب الهوى والشهوات والمصالح الشخصية إلا كانت سيرته أسوأ من فتاويه، فهو صاحب رذائل وسقطات أخلاقية. أخرج الترمذي حديثا صحيحا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنه سيكون بعدي أمراء فمن دخل عليهم فصدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فليس مني، ولست منه، وليس بوارد على الحوض، ومن لم يدخل عليهم ولم يعنهم على ظلمهم ولم يصدقهم بكذبهم فهو مني، وأنا منه وهو وارد على الحوض".
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إذا رأيتم العالم محباً للدنيا فاتهموه على دينكم فإن كل محب يخوض فيما أحب. وقال رضي الله عنه: إن أخوف ما أخاف على هذه الأمة المنافق العليم. قالوا: وكيف يكون منافقاً عليماً قال: عليم اللسان جاهل القلب والعمل. وقال سعيد بن المسيب رحمه الله: إذا رأيتم العالم يغشى الأمراء فهو لص. وقال الفضيل ابن عياض رحمه الله: إني لأرحم ثلاثة: عزيز قوم ذل، وغني قوم افتقر، وعالماً تلعب به الدنيا.