حكم الترحم والاستغفار لغير المسلمين
ممَّا يؤسف معه أن بعض المسلمين إذا مات أحد مشاهير أهل الكتاب من اليهود والنصارى، أو الشيوعيين الماركسيين أو العلمانيين الذين لا يؤمنون بالإسلام منهجا ونظاماً، أو أحد مشاهير أهل الفن أو الاختراع أو لاعبي الكرة أو نحوهم، سمعنا مَن يترحم عليه ويستغفر له! وربَّما قتل هذا الذي لا يؤمن بالله من الشيوعيين والعلمانيين على يد أعداء الله اليهود المحتلين لفلسطين، وربما يقول بعض المسلمين عنه شهيد ويتبعه بالقول: يرحمه الله. وإذا قيل له: إن فلاناً هذا الي تترحم عليه كافر، وموتى الكفار لا يجوز الاستغفار لهم ولا الترحم عليهم، يذكر لك قوله تعالى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} دون أن يكمل الآية: {فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ}الأعراف:157.
ومن المعلوم من الدين بالضرورة أن الله تعالى بعث محمدا صلى الله عليه وسلم إلى الخلق كافة، قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} سبأ:28، وقال تعالى:{قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا}الأعراف:158. فكل من لم يدخل دين الإسلام الذي بعث الله به محمدا صلى الله عليه وسلم فهو كافر، قال الله تعالى:{إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ}آل عمران:19، وقال الله تعالى:{وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} آل عمران:85 . والنصوص القرآنية دالة على أنَّ الكفار في النار خالدين فيها، وأن الجنة عليهم حرام؛ وأن الله تعالى لعنهم، ولن يغفر لهم، وقد نهى الله تعالى عن الاستغفار لهم، وبيَّن أنهم شر المخلوقات، قال الله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ} البقرة162:، وقال الله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ} البينة:6، وقال الله تعالى:{وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ} التوبة:68، وقال الله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ}آل عمران:91.
وإذا كان لبعض هؤلاء الموتى أو القتلى حسنات أو فضائل كما يتوهم البعض فقد بيَّن الله تعالى أن الشرك محبط للعمل: فقال الله تعالى:{وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} الزمر:65، وقال تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} الفرقان:23. وإنما يجزون بأعمالهم الحسنة في الدنيا، ففي صحيح مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله لا يظلم مؤمنا حسنة، يعطى بها في الدنيا ويجزى بها في الآخرة، وأما الكافر فيطعم بحسنات ما عمل بها لله في الدنيا، حتى إذا أفضى إلى الآخرة، لم تكن له حسنة يجزى بها".
ولقد نهى الله تعالى عباده المؤمنين عن الاستغفار للكفار: فقال الله تعالى:{مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} التوبة:113. وجاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "استأذنت ربي أن أستغفر لأمي؛ فلم يأذن لي". فإذا كان الله يمنع رسوله صلى الله عليه وسلم من الاستغفار لأمه، فهل يأذن لأحد من المسلمين أن يستغفروا لمن مات من الكفار ولو كانوا أقارب لهم، وبعد أن ذكر الحديث قال الإمام النووي رحمه الله: "وفيه النهي عن الاستغفار للكفار". قال العلامة ابن عثيمين: "الكافر لا يجوز أن يصلى عليه، ولا أن يدعى له بالرحمة، ولا بالمغفرة، ومن دعا لكافر بالرحمة والمغفرة فقد خرج بهذا عن سبيل المؤمنين، لأنَّ الله تعالى قال:}ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبيَّن لهم أنهم أصحاب الجحيم."{ وقد ذكر جمع من فقهاء المذاهب الأربعة تحريم الدعاء للكافر الميت، انظر مثلا: كتاب المحيط البرهاني 2/184 في فقه الحنفية، والبيان والتحصيل 2/211 في فقه المالكية، والبيان 3/25 في فقه الشافعية، وشرح المنتهى 2/160 في فقه الحنابلة، وقد نقل بعض اهل العلم الإجماع على ذلك، منهم شيخ الإسلام ابن تيمية، الذي قال: "الاستغفار للكفار لا يجوز بالكتاب والسنة والإجماع". مجموع الفتاوى 12/489. إذاً فالذي مات على الكفر لا يستغفر له ولا يدعى له، لا تارك الصلاة، ولا اليهودي، ولا النصراني، ولا الشيوعي، ولا العلماني، ولا القادياني، ولا أشباههم ممن يعتقد أفكاراً تكفره وتخرجه من دائرة الإسلام.
أما تعزيتهم في موتاهم، فجائزة على القول الصحيح من أقوال أهل العلم، وقد ذكر ابن قدامة المقدسي في موسوعته: "المغني": "إن عزى كافراً بكافر، قال له: أخلف الله عليك، ولا نقص عددك، وإن عزى مسلماً بكافر قال: أعظم الله أجرك وأحسن عزاءك".
وقد يقول قائل لقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم استغفر للمشركين في غزوة أحد لما قال: "اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون"، فيقال له: هذا الحديث يفيد جواز الدعاء للمشرك حال حياته، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الله اهد دوساً وات بهم"، وكانوا وقتها على الإشراك.